أخونا السائل : فتحي أبو أويس الجزائري -وفقه الله- يسأل فيقول :
[[ السلام عليكم شيخنا الفاضل المرزوقي كيف حالك ؟
شيخنا سألني أحد إخواننا من سوريا أنه عندهم نوع من الحلف : حرام علي ديني إن فعلت ذلك الأمر فما حكم هذا ؟ وماذا يستوجب عليه ؟*
*أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً
● الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم أبا أويس
*وأحمد الله إليك بارك الله فيك*
● وجوابًا على سؤال الأخ السَّائل أقول وبالله التوفيق :
● قوله -عفا الله عنا جميعاً وعنه- : (( *حرامٌ عليَّ ديني .. )) : *هو من أعظم المنكر من القول والزور !
ولا يجوز له استعمال هذه اللفظة العظيمة البشعة المنكرة ! فإنها قد تؤدي به إلى التَّبرئِ من دين الله تعالى إن كان كاذباً !*
وكيف يُحرِّم العبدُ على نفسه ما أوجبه الله عليه من الدَّينِ الحقِّ ؟!
فإذا كان الله قد حرَّم عليه الظِّهارَ وهو قولُه لزوجته : (( *أنت عليَّ كظهرِ أمِّي!* )) ، واشترط الله عليه شروطاً عظيمةً -قبل أن يتماسَّا- ِلترجعَ بعدها إليه وتحِلّ له، وسمَّاه ربنا -أي الظهار- مُنكراً من القول وزوراً ، رغم أنَّه تحريم -خاصٌّ- لما أحلَّ وأباحَ الله له، *فكيف بتحريمِهِ على نفسِهِ مَا افترضَهُ الله وأوجبَهُ عليه مِنْ دِينِه سبحانه ؟! فهو أشدُّ مُنكَراً من القولِ وأفضعُ زُوراً -عياذاً بالله تعالى-.
والواجب على من قال ذلك أن يستغفرَ اللهَ ويتوبَ إليه توبةً نصوحاً ؛ فيُقلِع فيها عن ذنبه الذي جرَّهُ إليه جهلُهُ بحدودِ الله تعالى، ويندَم على ما فرَّطَ في جنبِ ربِّهِ تبارك وتعالى، ويَعْزِم فيها عزمةً صادقةً ألاَّ يرجعَ إلى هذا القول المنكر مرَّةً أُخرَى.
● والحلف بالحرامِ محرَّمٌ في دين الله تعالى؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت* ))
ولما خرَّج الحاكم والترمذي بسندٍ صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما -أيضاً- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( *من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك ))
ولما أخرج أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( *من حلف بشيء دون الله فقد أشرك ))
فعلى المسلم الحذر والابتعاد عن هذه الأيمان المحرَّمةِ.
● وممَّن قال بحرمة اليمين بالحرام الإمام أحمد وأصحابه.
● وفي فتاوى اللجنة الدائمة (١٧٠/٢٣) : ” المسلم لا يجوز له الحلف بالحرام، وأن الحلف يكون بالله وحده أو بصفة من صفاته سبحانه، وعليك كفارة يمين ..”.
● قلت : مع حرمتها فإن أطلقها وحنث لزمته كفارة اليمين.
فقد وروى ابن أبي شيبة (٥/ ٧٣-٧٤) عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة رضي الله عنهم ، وَعَنِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومَكْحُولٍ -رحمهم الله تعالى- أنهم قالوا : (( *الْحَرَامُ يَمِينٌ* )).
● قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ *وَالْحَرَامِ* وَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَالْكُفْرِ كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ *عَلَيَّ الْحَرَامُ* أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَإِنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ *إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَإِنِّي يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ* . فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا ” ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ” فَقِيلَ : إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ . وَقِيلَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ” انتهى .
▪︎مجموع الفتاوى (٣٥/ ٣٢٤-٣٢٥).
● قال شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله تعالى :
” لو قلت : ( *عليَّ الحرام*) إني ما آكل هذا الشيء وأكلته ، وقصدك الامتناع منه ، فعليك كفارة يمين ، أو عليك الحرام أن لا تزور فلانا ، ثم زرته ، وأنت قصدك الامتناع من زيارته فقط ، فعليك كفارة يمين وعليك الاستغفار من ناحية يمينك بالتحريم ، لأن التحريم لما أحل الله لا يجوز ” انتهى .
▪︎مجموع فتاوى ابن باز (٢٣/ ١٤٧-١٤٨).
*فإن كان خالفَ ما قاله وفعلَ الأمرَ الذي حلفَ ألاَّ يَقْرَبَهُ ، وكان قَاصِدًا لليمينِ فعليه كفَّارةُ يمين ؛ فَيُخيَّر بين ثلاثة أمور :*
● إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله.
● أو كسوتهم.
● أو تحرير رقبة -وهو مُتعذّرةٌ في زماننا-.
■ فمن لم يجد شيئا من ذلك، صام ثلاثة أيام متتابعة.
وفقنا الله جميعاً للعلم النافع
والعمل الصالح
والوقوفِ عند حدودِهِ جل وعلا .. آمين.