الجواب المختصر البليغ في رد شبهتين عظيمتين من شبه جماعة التبليغ

Like 0

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائلِ في مُحكَمِ تنزيلِه : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ* )) الآية المائدة ٦٧

والصلاة والسلام على رسولِ الله القائلِ في صحيحِ سنَّتِه : (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً )) البخاري (٣٢٢٦).

وعلَى آلِه وصَحبِه ومن اهتدَى به وبَلَّغَ للنَّاسِ هُدَاه أمَّا بعد :

فقد راسلنِي من بلاد الصُّومال الحبيبة أخوناَ : أبو مسعود الإسحاقي -وفقه الله- يَسألُ ويَستفْسِرُ عن كيفيةِ رَدِّ شُبهتين أُثِيرَتاَ عِندَهُم من شبه التبليغيين الضَّالين فكان نصُّ سؤالِه :

(( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياك الله ..
▪هنا عندنا شبهة يستدل بها جماعة التبليغ لتبرير بدعتهم ؛ وهي أن الإنسان يجب عليه أن يترك أهله وذويه لأجل الدعوة إلى الله تعالى كما فعل ذلك نبي الله إبراهيم عليه السلام. حينما ترك زوجته وابنها ؟
فكيف يكون الرد ؟
▪الشبهة الثانية : قولهم إن الخروج إلى البلاد أربعين يوما مما فعله نبي الله موسى عليه السلام يوم دعاه ربه إلى الجبل ، فكانت المدة أربعين يوما.
فكيف يكون الرد على هذه الشبهة ؟
وجزاك الله خيرا .. )) انتهى استفساره.

وجواباً على طلبِه وسؤالِه أقول، وبالله أصُولُ وأَجُول :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد :

فشبهات جماعة التبليغ كثيرة ، وكثيرة جداً لجهلهم بدين الله تبارك وتعالى.

والجوابُ على شبهاتِهم وما يقذفونه من زُخْرُفِ القولِ سهلٌ ميسورٌ لِمنْ بصَّرَهُ ربُّه بالعلم النَّافع وتلمَّسَ واستبْصَرَ فاستبَانَتْ عندَهُ سبيلُ المؤمنين.

وأنصح نفسي أولاً ،
وإخواني المسلمين ثانياً ألاَّ نكون من السَمَّاعِين للشُّبهَاتِ والإيراداتِ! ؛ فإن القلوبَ ضعيفةٌ والشُّبَهَ خطافةٌ ! ولم يكن هذا من سبيل سلفنا الصَّالح إلاَّ للمتمرِّسين في العِلمِ ليرُدُّوهاَ ويُزهِقُوهاَ بالعلمِ والحُججِ الدَّامِغَةِ ، مع حَذرِهم الشديدِ منها ؛
لِعِلْمِهم اليقينيِّ ألاَّ أحدَ بِمَأمَن مِن شِبَاكِهاَ وحبائِلِهاَ مهما علاَ شأنُه في العلم أو العبادة والطاعة، أو في المجاهدة والدعوة، أو فيها جميعاً! إلاَّ مَنْ وفَّقَهُ اللهُ وعَصَمَه.

جعلنا الله جميعاً منهم بجودِه وكرمِه .. آمين.

▪قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في ” مفتاح دار السعادة ” (١٤٠/١) : ” قال لي شيخ الإسلام (ابن تيمية) -رضي الله عنه – وقد جعلت أُورِدُ عليه إِيرادٍ بعدَ إيرادٍ :
(( *لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها؛ فلا ينضح إلا بها! ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات*، أو كما قال )) “

▪ثم قال ابن القيم -رحمه الله- بعدَها :
” فما أعلمُ أنِّي انتفعتُ بوصيةٍ في دفعِ الشبهاتِ كانتفاعِي بذلك “.

فاستمسكُوا بهذه الفائدةِ العظيمةِ واعملُوا بهاَ .. بارك الله فيكم

فلو عَرَضتْ لنا شُبهةٌ من شبهات المنحرفين عن السنة على اختلاف توجُّهاتِهم وانحرافاتِهم .. سواء كانوا تبلغيين أو تكفيريين أو إخوان مفلسين أو حدادية ماكرين أو مفرِّقين مُفسِدين .. أو غيرهم من الضُّلاَّل المُتنكِّبين عن الصراط المستقيم ، فإننَا نُمِرُّها ولا نُقِرُّهَا في قلوبِنا ، ثمَّ نرجعُ في كشفِ زَيفِهاَ إلى كِبارِ أهل العلم ليُفنِّدُوا ما فيها من شرٍّ ، ويُزهِقُوا ما فيها من رُوحِ الباطل! وزُخرُفِ القول!! بارك الله فيكم.

” وإنَّما سُمِّيت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر! فينظر الناظر فيما أُلبِسَتْهُ من اللباس فيعتقد صحَّتَها ! وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسِها ، فينكشف له حقيقتُها.
ومثال هذا الدرهم الزائف فإنه يغتر به الجاهل بالنَّقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك فيطلع على زيفه.
*فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف ، والمعنى : كالنحاس الذي تحته!*
وكم قد قتل هذا الاعتذار من خلق لا يحصيهم إلاَّ الله “
• مفتاح دار السعادة (١/ ١٤٠-١٤١).

▪ قلتُ : ومن أعظم المَراجع -التي قرأتها قديماً في تفنيد شبهات هذه الفرقة الضالة- كتابِ : ( *القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ ) للشيخ العلامة المُحدِّث / حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله تعالى-؛ فقد أفادَ فيه وأجادَ ، وقضى على أكثرِ شبهاتِ القوم في كتا

به الطيب البديع هذا . فجزاه الله خيرا ورحمه برحمته الواسعة.

▪كذا ما قاله وكتبه شيخنا العلامة الإمام ابن باز رحمه الله تعالى.
▪وصوتيات الشيخ العلامة الإمام الألباني رحمه الله تعالى.
▪وكتابات وصوتيات شيخنا العلامة الإمام ربيع حفظه الله تعالى.
▪وغيرهم من إخوانهم علماء السنَّةِ السَّلفيين ممَّن بيَّنُوا ما في هذه الجماعة الضالة المفسدة من انحرافٍ وباطلٍ وتصوُّفٍ .. ، وبُعدٍ عن الحقِّ والهُدى.

أدعوكم ونفسي للرجوع إلى هذا الميراث العظيم لنحصن أنفسنا من فتنتِهم وشُبهاتِهم التي يرمون بها السلفيين وعوامَ المسلمين بين الفَينَةِ والأخرى!

هذا الجواب الإجمالي العام.

وأما تفصيل الجواب عن هاتين الشبهتين فأقول مستعينا بالله العظيم العليم سبحانه :

● الجوابُ على شبهتهم الأولى :

وهي قولهم : ( إنَّ الإنسان يجب! عليه أن يترك أهله وذويه لأجل الدعوة إلى الله تعالى *كما فعل ذلك نبي الله إبراهيم عليه السلام. حينما ترك زوجته وابنها*) !

▪ والجوابُ عنها من ستَّةِ وجوه :

الوجه الأول : أين أنتم ! وأين نبي الله إبراهيم إمام الموحدين -بعد نبينا عليهما صلوات الله وسلامه- ؟
فإبراهيم ﷺ كانت حياته كلها في الدعوة الى التوحيد الخالص لله تبارك وتعالى.

وأنتم لا يَعرفُ التوحيد لدعوتكم سبيلاَ!

بل قد ثبت الشرك فيكم وفي اتباعكم! وما قبر متبوعِكم ( *محمد إلياس* ) وما يُفعلُ فيه من الشرك والبدع! عن أنظار علماء السنة ببعيد !!

فكيف تَدْعُون ؟ وإلى مَاذَا تَدْعُون ؟
*وقد أضعتم أصل الدعوة ولُبَّها وأُسَّها الذي لم يبدأ نبي ولا رسول إلا به قبل كل شيء.*

الوجه الثاني : تخرجون لدعوة الناس إلى الإسلام! وأنتم أولى الناس بتعلم تعاليم الإسلام!
ففاقد الشيء لا يعطيه!

الوجه الثالث : نبي الله إبراهيم ﷺ خرج مهاجراً بأمر ربه تبارك وتعالى فهو متبع لربه ولدينه ، والدليل عليه ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه (٣١٨٤) : ” ثم قفى  إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ -فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها- فقالت له : *آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذن لا يضيعنا* ” .

فلم يخرج خليل الرحمن إبراهيم ﷺ إلاَّ بأمر ربِّه تبارك وتعالى.

فبِأمرِ مَن خرجتم أنتم ؟!!!
إن كان عندكم علمٌ أو وحيٌ! فأخرجوهُ لنا !!

وإن العلماء ورثة الأنبياء قد خَالَفُوكُم ونَهَوْكُم عن خروجكم المبتدع هذا!

ومَنْ أَذِن لكم -منهم- في بدايةِ الأمرِ مُحسِناً الظَّنَّ بكم! بما أظهرتموه له من ظاهرِ حالِكم وما خلطتم به من كذبِكم! رجع عن قوله فيكم بعدَ ذلكَ لمَّا تبيَّنَ له -بالأدلة الظاهرةِ- حالُكم وانحرافُكم ، فنهاكُم -بعدَ ذلك- عن سبيلكم الباطل ومنهجِكم العاطِل!

*فمن أَذِنَ لكم أمْ علَى اللهِ تفترون ؟!*

فنبي الله ﷺ مُتبعٌ لربِّه جلَّ وعزَّ .

*وأنتم مبتدِعُون!*

الوجه الرابع : نبي الله إبراهيم ﷺ قد أمرَه ربُّه بالهجرة في سبيله وتكفَّلَ له برزقه ورزق أهله وولده لعظيم جهادِه وتَوكُّلِه على ربِّه.
ورُغمَ ذلك قد أخذَ من الأسباب التي أمره ربُّه بها .
ففي الحديث السابق من صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى
” *حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد* وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء *فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء* .. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه *استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون* ” الحديث.

فتأملُّوا -رحمني الله وإياكم- كيف اتخذ جميع ما يقدر عليه من أسبابٍ عليه الصلاة والسلام قبل مغادرةِ أهلِه بأن ( *وضَعَ جرابا من تمر وسقاء* ) وبعد مغادرتِهم ( *الدعاء* ). مع أنَّ الله تعالى هو من أمره بالخروج فلن يضيِّع أهله وولده.

وأنتم لمن تتركون أولادَكم ونساءكم ومَن تعُولُون وتخرجون هذا الخروج المبتدَعَ ، وتُطيلُون الغَيبةَ عنهم بلا نفقةٍ تتركونها لهم! فتضيِّعُونَهم وتقولون نحن المُتوكِّلُون ؟!!!
*بل أنتم المُتوَاكِلُون!*

وقد نَهَى نبيُّنا ﷺ عن هذا فقال :
« كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ »

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (رقم ٩٩٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

الوجه الخامس : لو فرضنا -وتَنزَّلنا جَدلاً- أنه كان جائزاً في شَرِيعَةِ مَنْ قَبلَنَا أن يتركُوا أهَالِيهم وأولادِهم .. بلا نفقةٍ ويخرجوا ليبلِّغُوا دينَ اللهِ تعالى ، فقد جاء النص في شرعِنا بالنَّهيِ عنه والتَّحذير منه.

فليس شرعُ من قبلنا شرعاً لنا *إذا خالف شرعَنا* باتفاقٍ -لا أعلمُ فيه خِلافاً- عند علمائنا -رحمهم الله تعالى-.

وأدعوهُم إلى الرُّجوعِ إلى تفسير قوله تعالى :

(( *وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ ي

َا أُولِي الْأَلْبَابِ* )) من سورة البقرة الآية ١٩٧

والتَّأمُّلِ في سبب نزولها ؛ ليعلَمُوا عظيمَ مُخالفةِ ما تفعلون!
وما هو الحقُّ الواجِبُ عليهم الذي يُضِيعُون!

الوجه السادِس : وأما قول أحدِهم : ( الإنسان *يجب!* عليه أن يترك أهله وذويه لأجل الدعوة إلى الله تعالى )

▪أقول : الواجب ، بل الأوجب عليكم -يا عبادَ اللهِ- تعلُّم التَّوحِيد والعمل به، فواللهِ ما أَوجَبَ اللهُ على الجَاهلِ بأصلِ الأُصُولِ (التَّوحيد) الدَّعوةَ إلى غيرِه أبداً !

*هذا جوابي عن شبهتهم الأولى باختصارٍ .

● وأما الجواب عن شبهتهم الثانية :

وهي قولهم : ( إن الخروج إلى البلاد أربعين يوما مما فعله نبي الله موسى عليه السلام يوم دعاه ربه إلى الجبل ، فكانت المدة أربعين يوما )!

*فأُجيبُ عنها مِن وُجوهٍ سِتَّةٍ أيضاً :*

الوجه الأول : أن كليم الله موسى ﷺ خرج بأمر ربه ومواعدته إياه جل وعلا.

فمن واعدكم أنتم ؟؟
إلا الشيطان !

الوجه الثاني : إنَّ الآيةَ نفسَها التي تحتجُّون بها على فِعلِكم المبتدَع ليس فيها دليلٌ على الخروج أصلاً! بل هي حجة عليكم! فالأربعين التي ذكرَ اللهُ إنما هي *قبل خروجِ موسى ﷺ للقاء ربِّه وليس بعد خروجه!* وهي قوله تعالى :
﴿ *وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً* ﴾ الآية [الأعراف: ١٤٢].

▪يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيرها :

” يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ، بِتَكْلِيمِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِعْطَائِهِ التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا أَحْكَامُهُمْ وَتَفَاصِيلُ شَرْعِهِمْ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَاعَدَ مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: *فَصَامَهَا مُوسَى*، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا تَمَّ الْمِيقَاتُ اسْتَاكَ بِلِحَاءِ شَجَرَةٍ، *فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُكْمِلَ بِعَشْرٍ أَرْبَعِينَ*… فَلَمَّا *تَمَّ الْمِيقَاتُ* عَزَمَ مُوسَى عَلَى *الذَّهَابِ إِلَى الطُّورِ*، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ *يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ* ﴾ الْآيَةَ [طه: ٨٠] ” انتهى المقصود.

▪قلت : وهو المُتعيِّنُ -والله أعلم- في تفسيرها واللِّحَاقُ (الآية التي بعدها) يدلُّ على ذلك ؛ فذكر الله تعالى خروج موسى ﷺ بعد تمام الأربعين صائماً لله تعالى ليتهيَّأَ لِلِقاءِ الله فقال سبحانه :
﴿ *وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ*﴾ الآية [الأعراف: ١٤٣]

الوجه الثالث : وعلى فَرْضِ القولِ الثاني من أقوالِ المفسِّرين هو الصَّحيح ؛ وأن موسى ﷺ خرج أربعين يوماً فقد خرج للقاء ربِّه ؛ وليتزود من العلم والتوحيد والتقوى ومناجاة ربه تبارك وتعالى.

وأنتم قد عُلِمَ من سيرتكم ومن الأخبار التي بلغت حد الاستفاضة عنكم -مِمَّن مَاشَاكُم وخرج معكم ثم منَّ الله عليه بالتوبة والرجوع الى الحق- أنكم لا تزالون مُعرِضِين عن تعلُّم العلمِ بل تعلُّمِ أعلاه : أوجب الواجبات عليكم ألا وهو : *التوحيد* !
وتنابذون وتطردون مِن صفوفكم مَن يدعو إليه !! بحجة أنه يفرق الصَّفَّ ويُضَعْضِعُه !
وما أخباركُم في أفغانستان زمن الغزو الروسي عنا ببعيدة! وقد شهد أئمة السنة بذلك مِمَّن مَنَّ الله عليه فشَهِدَها ، وخبَرَ أخبارَكم وكُشِفَتْ له أسرَارَكم فيها!
منهم *العلامة المُحدِّث ربيع -وفقه الله تعالى-* وقد حدَّثني من سيرَتِكم في هذا الباب وغيرِه ببلايا ومَخازي عظيمة؛!
*نسأل الله السلامة والعافية*

الوجه الرابع : خرج كليمُ اللهِ موسى ﷺ بإذنِ ربِّهِ تعالى ليسمع كلام ربه تبارك وتعالى ويعمل به ثم يدعو الناس إليه.

فأين أنتم مِن سماع كلام الله تعالى وصحيح سنة النبي ﷺ والعملِ بهما ؟!!

فواللهِ لو كانت لكم قلوب تعقلون بها لانتهيتم عن منهجكم الباطل وخروجكم المبتدع ! بتدبركم للآيات القوارع التي تنهى عن الإحداث في الدِّين ، وتأمر باتِّباعِ هذا النَّبيِّ الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وآله أجمعين.

منها قوله تعالى :
(( *أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* ))

وقوله تعالى :
(( *وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ))

ومثل قول النبي ﷺ : ” *من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ* ” رواه البخاري ومسلمٌ من حديث عائشة رضي الله عنها .
وفي روايةٍ لمسلمٍ: ” *من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ* “

وأمثال تلك النصوص العظيمة الناهية عن الزيادة في الدِّين ؛ لأن الله أكمله وأتمَّ علينا به الن

عمة.

فمن خرج بجهلٍ! لتعليم الناس أفسد أعظم مما يُصلِح !
فالواجب عليه التعلم أولاً.

الوجه الخامس : هل مدة الأربعين يوماً حدَّدها موسى ﷺ ؟!
أم حدَّدها له ربُّه تبارك وتعالى ؟
الجواب واضح عندنا وعندكم -إن كنتم تعقلون!- ؛ فقد جعلها الله الحكيم الخبير ثلاثين ليلة أولاً.
ثمَّ أتمَّها له عَشراً فضلاً منه ومِنَّةً ، فالتحديد شرعٌ من الله سبحانه لا من موسى نفسِه عليه الصلاة والسلام.

فتحديدكم لهذه المُدَدِ بدون دليلٍ شرعيٍّ صحيحٍ صريحٍ : هو من الإحداث والابتداعِ في دين الله تعالى.

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يخرجون للدعوة الى الله تعالى -بعد أن يتعلموا العلم وعلى رأسه التوحيد الخالص لله تعالى- ولم يكونوا يحددون عددا معينا من الأيام أو الشهور أو السنوات ..!! وهم أعلم منكم بقول الله تعالى :
(( *وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ* ))
فبَطُلَت كل الأعداد والمُدَدِ التي تتمسكون بها في تحديدِ خُروجِكم هذا.

الوجه السادِس : من غَريبِ وعجِيبِ المُفارقاتِ! أن يستدِّلُوا بآيةٍ نزلت *في كمالِ الدِّينِ وتمامِ الشريعةِ لملَّتين عظِيمتين في اليوم نفسِه! : مِلَّةِ مُوسَى ومِلَّةِ مُحمَّدٍ صلى الله عليهما وسلَّم* وجماعةُ التبليغ تستدلُّ بها على بِدعَتِهم الفضيعَة ، وطريقَتِهم العوجاء الشنيعة بتجويزِ هذا الخروجِ المُحْدَث المُبتدَعِ !!!

▪قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره للآية نفسِها! :

” فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُكْمِلَ بِعَشْرٍ أَرْبَعِينَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ *الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ*. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
*فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمَّلَ الْمِيقَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصَلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ﴾* [الْمَائِدَةِ:٣] ” انتهى.

وهذا تمام الوجه السادس كذك في إبطَالِ شُبهتِهم هذه كذلك.

وخِتَاماً أُحيلُ مَن شاء التوسع في إبطالِ شبُهاتِ القومِ إلى المراجع التي أشرتُ إليها*
في بداية الجواب
واجعلنا اللَّهم يا وهَّاب
مِمَّن يُبلِّغُ دِينَكَ على سبيلِ الحقِّ والصَّواب ،
*إنَّا إليكَ وإنَّ لكَ المَرجِعَ والمُنقلَبَ والمآب.

والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً

كتبه نُصحاً للهِ ولدِينِه وللمسلمين/
أبو إسحاق الهلالي المرزوقي
-غفر الله له ولوالديه وللمسلمين-

Scroll to Top