تَوفِيقُ العَلِيمِ الخَبِير فِي بَيَانِ حُكْمِ قَولِ بَعْضِهِم عن المَيِّتِ : (( انتَقَلَ إِلَى مَثواهُ الأَخِير ))
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فقد أرسل إليَّ أخونا الحبيب أبو أحمد عدي الأردني -وفقه الله- برسالةٍ وصلته من غيره يستفسر عن محتواها ويذكر أنها انتشرت انتشاراً واسعاً.
قلت وجوابي عليها بِجوابَين : إجماليٍّ وتفصيليٍّ .
▪فأمَّا الجواب الإجمالي فأقول : *اشتملتْ على حقٍّ وعلى باطل! .
▪وأمَّا الجواب التفصيليُّ فسأُورِدُ مُلَخَّصَهَا -لِطُولِها- ثُمَّ أُبيِّنُ ما فيها من باطلٍ ، وما فيها من حقٍّ :
جاء في نص الرسالة :
《 أيها الاخوه سبق لي بحث عن كلمة
(( مثواه ))
ولمن وردت في القرآن الكريم ؟ …
فبحثت كثيراً في القرآن الكريم عن كلمة (مثواه) ولم أجد ورودها لأهل الجنة ، وإنما وردت كلمة (مثواه) لأهل النار
فلاحظ معي:
وردت تسع ايات في القرآن الكريم
فيها مثوى
قال تعالى…
1- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ *مَثْوَى الظَّالِمِينَ* [151] آل عمران.
ثم ذكر باقي الآيات .
ثم أورد هذه الفتوى للشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
(( الفتوى))
🔥 مقـولة انتـقل إلى مثـواه الأخير كفر لفظـي🔥
📍قـالـ الشيـخ الألبانـي رحمـه الله:
أما قولهم في الإذاعات وغيرها :
” .. *مثواه الأخير* ” فكفر لفظي على الأقل
وأنا أتعجب كل العجب من استعمال المذيعين المسلمين لهذه الكلمة
فإنهم يعلمون أن القبر ليس هو المثوى الأخير
بل هو برزخ بين الدنيا و الآخرة، فهناك البعث و النشور ثم إلى المثوى الأخير، كما قال تعالى : { *فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير*ِ } [7:الشورى]، وقال في الأخير : ( *فالنار مثوى لهم* )، وما ألقى هذه الكلمة بين الناس إلا كافر ملحد، ثم تقلدت من المسلمين في غفلة شديدة غريبة ! ( فهل من مدكر ) ؟
📓【السلسلة الصحيحة [6-182] 》 انتهت الرسالة باختصار.
▪ وجواباً تفصيلياً على هذه الرسالة أقول :
▪ أولاً : القَولُ الأولُ -قبل كلام الإمام الألباني رحمه الله تعالى- قَولُ مَنْ ؟؟
وما درجتُه من العِلمِ ؟؟!
*فإنَّ العلمَ دين فلننظُر عمَّن نأخُذُ دِينَنَا .*
▪ *ثانياً :* وأمَّا قوله : ” *وإنما وردت كلمة (مثواه) لأهل النار* ” !
هكذا بصيغة الحصر ( *إنما* ) فيدلُّ على عدم إِلْمَامِه بكتاب الله تعالى! فضلا عن البحث فيه !! فضلاً عن ( *كثرةِ البحث فيه!!!*) كما زعم!!
فقد وردت هذه الكلمة في أهل الإيمان في الدنيا وعلى رأسهم نبي الله محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وأخيه نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام.
بل وردت في أهل الجنة كما سيأتي بيانُه إن شاء الله تعالى.
▪فمعنى : *المثوى* لغةً : أي المنزل أو المستقر والموضع الذي يُقامُ به ؛ سواء كان في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً.
فمثوى الكافرين : النار.
ومثوى المؤمنين : الجنة.
▪وقد ورد استعمالُ ( *المثوى* ) للمؤمنين في *الكتاب والسنة وفي لغة الكتاب والسنة (العربية)* :
▪فمثالُ استعمال المثوى -في كتاب الله تعالى- في أهل الجنة :
▪قوله تعالى :
(( *وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ* ))
▪قال العلامة القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيرها :
” وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي :
(( *لَنُثَوِّيَنَّهُم* )) بالثاء مكان الباء ؛ مِن الثَّويِ وهو الإقامة ; أي لنعطينهم غرفا يَثْوُون فيها ” انتهى.
▪وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيرها :
“والصواب من القول في ذلك عندي أنهما *قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب*، وذلك أن قوله: ( *لَنُبَوِّئَنَّهُمْ* ) من بوأته منـزلا أي أنـزلته، وكذلك ( *لَنُثَوِّيَنَّهُم* )، إنما هو من أثويته مسكنا، إذا أنـزلته منـزلا من الثواء، *وهو المقام*” انتهى.
▪ومثالُ المثوى في الدنيا ونسبةُ اللهِ المؤمنين إليه في كتابه الكريم :
▪قوله تعالى :
(( *وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (¤) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (¤) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ*)) [سورة محمد: ١٧-١٩].
والخطاب فيها لأهل الإيمان : للنبي ص
لى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم.
▪قال الإمام السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيرها : ” *﴿وَمَثْوَاكُمْ﴾ الذي به تستقرون* ” .
▪وقد نسبَ *المثوى* إليه نبيُ الله يوسف عليه الصلاة والسلام فقال كما في الكتاب الكريم :
*(( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ))* [يوسف: ٢٣].
▪قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره : ” *مَثْوَايَ أَيْ: مَنْزِلِي وَأَحْسَنَ إِلَيَّ* ” .
▪ وأما من السنَّة فقد أخرج الحافظ ابن زنجويه في “كتاب الأموال” له تحت حديث (٥٦٧) في مصالحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل نجران وفيه :
” وَعَلَى نَجْرَانَ *مَثْوَى رُسُلِي* عِشْرِينَ لَيْلَةً فَمَا دُونَهَا ” *الحديثُ مرسلٌ*.
▪قال ابو سليمان الخطابي في “غريب الحديث” (٤٢٠/٢) :
” *يريد ضيافَتَهُم وما يُقِيمُهُم هذه المدة* ” انتهى.
▪قلتُ : فلا حرج في الدعاء بها بأن يجعل الله مثواه ومثوانا الجنة فإنَّ المقصود واضحٌ وهو : المنزل والمستقر والمُقامُ.
▪قال تعالى عن الجنة وأهلها :
(( *خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا* )) [ الفرقان ٧٦ ].
● *تنبيه وتنويه* : أُنبِّهُ إخواني المسلمين على ما كَثُرَ انتشارُهُ بيننا -للأسف الشديد!- من التطاوُلِ والتجاسُرِ من بعضِ الجَهلةِ على اللهِ تعالى! ، وعلى رسولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم! ، وعلى كتابِ الله تعالى! بغيرِ علمٍ ولا هُدًى ولا كتابٍ منيرٍ !! ؛ فكُلُّ مَنْ عَنَّتْ له -في ذلك- فِكرةٌ من رأسِهِ! أذاعَها في النَّاسِ دون عَرضِهاَ على أهل العلمِ المتخصصين، وقد تراه يُقوِّضُ بُنيانَ الشرعِ ويَهدِمُ أركانَهُ بمَعَاوِلِ جَهلِهِ! وتجاسُرِه! ؛ فينفي الصحيح من دين الله تعالى! ، ويُثبِتُ الخطَأَ ويُلصِقُهُ بدِينِ اللهِ تعالى! وينشرُهُ في الناس ويَحْسَِبُ أنَّه يُحسِنُ صنعاً !
والله تعالى يقول :
(( *.. وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (¤) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ*)) [البقرة ١٦٧-١٦٨].
▪ويقول سبحانه ناهيا عن هذا الصنيع الخطير والجُرمِ الكبير :
(( *وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا* )) [الاسراء ٣٦].
*فلنتنبَّه لهذا باركَ الله فيكم.*
● وأما ما نقل عن الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- مِن إنكاره على الناس قولهم عن الميت : (( *انتقل إلى مثواه الأخير* ))! فهو في المصدر المشار إليه لكن في الصحيفة (٤١٦ الجزء ٦)!، وإنكارُهُ حَقٌّ -رحمه الله تعالى-.
▪ قلت : ومثلُه قولهم : (( *ذهب إلى مثواه الأخير* ))! أو (( *وُضِع في مثواه الأخير* ))! : ويقصدون بذلك *القبر* !
وقد نهى عنها أئمتنا أحياء وأمواتاً رحم الله تعالى مَيِّتَهم وحَفِظَ حَيَّهُم ؛ لأنَّ فيها تضمُّناً لإنكارِ البعث ! وهو كفرٌ لو قصدَهُ القائل !
▪ قلت : فإن كان القصدُ هو مثواه الأخير من هذه الحياة الدنيا ؛ فقد رأى بعضُ أئمتِنا جوازَ استعمالِها وأن لا حرجَ في ذلك بهذا المعنى الصَّحيح الذي ليس فيه تضمُّنٌ لإنكارِ البعث والنُّشُورِ -عياذاً بالله تعالى- .
منهم سماحةُ شيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى- حيثُ سُئِلَ هذا السؤال :
ما حكم قولهم في التعزية : ( *انتقل إلى مثواه الأخير* ) ؟
▪فأجاب -رحمه الله- : ” *لا أعلم في هذا بأساً*؛ لأنه مثواه *الأخير بالنسبة للدنيا*، وهي كلمة عامية؛ أما *المثوى الأخير الحقيقي فهو الجنة للمتقين والنار للكافرين* ” انتهى.
▪الفتوى على موقع شيخنا -رحمه الله تعالى- :
https://binbaz.org.sa/old/33541
▪قلت : وأَميلُ إلى اختيار الإمامين الألباني والعثيمين -رحمة الله عليهما- سَدًّا لذرائعِ الكفرِ والشرك ، وبُعدًا عن المناهي اللفظية التي قد تؤول إليهما! عياذا بالله تعالى.
سيما أن قصد السائل في صدره لا نطلع عليه! وظاهرُ العبارةِ مما يخالف الشريعة الغراء وأُمِرْنَا أن نحكُمَ بالظاهرِ . ويُؤيِّدُني في هذا ما جاءَ في ” *معجم المناهي اللفظية* ” ولم أرَهُ إلاَّ بعد كتابةِ ما سبق :
▪ قال -رحمه الله وغفر له- (ص ٤٩٢) : ” *مثواه الأخير :*
انتشرت هذه العبارة في زماننا على ألسنة المذيعين وبأقلام الصحفيين ، وهي من جهالاتهم الكثيرة ، المبنية على ضعف رعاية سلامة الإعتقاد.
يقولونها حينما يموت شخص ، ثم يدفن ، فيقولون :” *ثم دفن في مثواه الأخير* ” ونحوها .
ومعلوم أن “القبر” مرحلة بين الدنيا والآخرة ، فبعده البعث ثم الحشر ، ثم العرض في يوم القيامة ، ثم الى جنة أو نار ، قال تعالى :” *فريق في الجنة وفريق في السعير* ” .
ولذا فلو أطلقها إنسان معتقدا ما ترمي إليه من المعنى *الإلحادي الكفري* المذكور ؛ *لكان كافرا مرتداً* ، *فيجب إنكار إطلاقها ، وعدم استعمالها* ” انتهى.
*والله تعالى أعلم.*
▪وإليكم بعض النقولات المفيدة عنهما بزيادة بَسطٍ منهما :
▪كلام شيخنا العثيمين -رحمه الله تعالى- :
كلام وتفصيل ماتع للشيخ الألباني رحمه الله تعالى (زائدٌ عن كلامه الأول) :
▪كلام للشيخ العثيمين -رحمه الله تعالى- في مناسبة أخرى :
رحم الله أئمتنا جميعاً وأجزل لهم المثوبة والأجر وجعل مثواهم ومثوانا في عليِّين .. آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
والعلم عند الله تعالى
وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه
وسلم تسليما كثيراً
وكتب / أبو إسحاق الهلالي المرزوقي
-غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين-
-وجعل مثواهم الجنان ورزقهم رضا الرحمن-