مِنْ أَمثَلِ الطُّرُقِ لِحفظِ كِتابِ اللهِ تَعالَى وضَبطِهِ بِلا نِسيَان بِإِذنِ المَلِك الكَرِيمِ الدَّيَّان
▪️السَّائل : عبد الرحمن -وفقه الله تعالى وسدَّده-
■ السؤال : ما الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله جلّ وعلا وطريقة تثبيته وضبطه ؟ وجزاكم الله خيرا
■ جواب الشيخ / أبي إسحاق زهير بن عيسى المرزوقي الهلالي -حفظه الله وسدده-:
*بسم الله والحمد للّه وصلّى وسلم على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أمّا بعد:*
فإن اللّه جلّ وعلا قد منّ على عباده المؤمنين بمننٍ عظيمة ، وآلاء جسيمة، ومن أعظمها كتابه العظيم الذي أنزله على قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليكون من المرسلين بلسان عربيّ مبين، وقد يَسَّر الله جل وعلا حفظَ هذا القرآن العظيم لفظه ومعانيه ، ووفَّق من شاء لفهمه وتدبره والعمل به ، وتحكيمه والتحاكم إليه.
▪️قال تعالى : ﴿ *وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ ١٧* ﴾ [القمر ١٧].
أي : هل من طالب علم يريد معرفة ما فيه فيُعان على ذلك ؛ كما فسَّرها أئمة التفسير رحمة الله عليهم.
▪️ومن تيسير الله لكتابه أن يَسَّر حفظ ألفاظه وحروفه ؛ فتجد الصبيّ الصغير الذي لم يتجاوز الخمس سنين أو الست أو السبع يحفظ كتاب الله كاملا ! أو يحفظ كثيرا منه.
وإن طرق حفظ القرآن وتثبيته وعدم نسيانه كثيرة جدا، وقد أخذ الناس فيه أَخَذَاتِهم، وكُلاً سلك طريقا يناسب قدراته ، ويُناسب سِنَّه ويُناسب أشغاله .. فَمُقِلٌ و مُستَكثِرٌ.
✏️ وإن من أفضل الطرق التي تُثبِّتُ كتاب الله عزّ وجل ؛ والتي جرَّبها كثير من القرّاء وأفلحوا بفضل الله عزّ وجلّ ؛ فجمعوا كتاب الله في صدورهم ولم ينسوه بفضل الله عزّ وجلّ حتى مع كِبَرِ سِنِّهم وتَقدُّم عُمُرِهم !
■ الطريقة : أن تأخذ الصفحة التي تريد أن تحفظها ، فتُركز عليها ؛
وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم،
وتأتي بالبسملة إن كنت في بداية السورة،
ثم تقرأ الآية الأولى التي تريد حفظها ؛ تقرأها عشرين مرة،
ثم تنتقل إلى الثانية تقرأها عشرين مرة،
ثم ترجع إلى الأولى فتقرأها مع الثانية عشرين مرة،
ثم تنتقل إلى الثالثة فتقرأها وحدها عشرين مرة،
ثم ترجع فتقرأ الأولى مع الثانية مع الثالثة عشرين مرة ،
ثم تنتقل إلى الرابعة وحدها تقرأها عشرين مرة،
ثم ترجع بعد ذلك إلى الأولى فتقرأها مع الثانية مع الثالثة مع الرابعة عشرين مرة .. وهكذا ؛ حتى تُنهِي حفظ المقدار الذي حدَّده لك شيخك بحسب قدرتك وتفرغك.
*وبهذه الطريقة لا تنسى كتاب اللّه أبدا بإذن الله تعالى؛ مع التعاهد والنراجعة والضبط.*
📝 فتبقى دائما المراجعة ولا بد من الضبط ؛ فالذي يحفظ ولا يراجع كمثل رجل يحمل كَيْسًا يلتقط فيه الجواهر والدُّرر يُخبِّئُها فيه، الكيس على ظهره وهو يمشي كلما وجد جوهرة وضعها فيه، والكيس مُخرق هو يضعها فيه وهي تسقط، هذا مثل الذي يحفظ ولا يراجع !
فلا بد من المراجعة دوما ؛ أثناء الحفظ، ولديك الحفظ القريب الذي حفظته قبل أيام تراجعه، ولديك المراجعة العامة ؛ فلابد كل يوم أن تراجع وأن يكون مقدار المراجعة قدرا جيدا وهكذا ..
حتى يُوفقكَ الله عز وجل لحفظ كتابه تامّا كاملا في صدرك وقلبك.
■ وبداية الحفظ لا تكون من سورة البقرة !
فإن كثيرا من الناس يبدأ من أعلى من سورة البقرة وهذا ترتيب غير صحيح لكثير من الناس ؛ قد يصلح مع أقوياء الذاكرة ؛ ولكن المبتدئ يبدأ من قصار السور لأنها تناسب الذاكرة في مرحاته هذه ؛ ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يصل بإذن الله عز وجل إلى سورة البقرة.
✏️ نعم كثير من الناس يحفظ البقرة وآل عمران والنساء، لكن نتكلم عن الضبط الذي لا ينسى معه العبد بإذن الله عز وجلّ ولا تنسى معه الأمة بإذن الله عز وجلّ مع المراجعة.
فإذا ختم القرآن كاملا من ناسه إلى فاتحته أو من فاتحته إلى ناسه ، قرأ على شيخه المتقن ختمات عديدة : الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة .. حتى يجمع ذلك الحفظ المتفرق في صدره ويجيزه شيخه بضبطه لكتاب الله تعالى.
■ وللعبد فيما يذكر أهل الاختصاص ذاكرتان ذاكرة أمامية، وذاكرة خلفية، الحفظ السريع يكون في الذاكرة الأمامية وهو سرعان ما يذهب،
أما الحفظ الثابت فينتقل من الذاكرة الأمامية إلى الذاكرة الخلفية ؛ وهذا هو الثابت من الحفظ.
فبعض السور قد حفظتَها وأنت صغير ، ولا تحتاج أن تراجعها أبدا ؛ لأن حفظك لها كان متقنا وكثرة الترداد والتكرار هو الذي يثبت الحفظ ويُسهِّل المراجعة ، ويُبعدُ النسيان.
انظر مثلا : كثير من الناس لم يتقصد حفظ سورة الكهف، ما تعنّى أن يحفظها ولكنه يحفظها لكثرة قراءتها رسخت في قلبه.
فكثرة التكرار والرَّدِّ مما يحفظ به الطالب محفوظاته من القرآن والمتون والمنظومات وأقوال الأئمة والأشعار .. ، وأعظم المحفوظات كتاب الله عزّ وجلّ.
✏️ فمن جمع اللهُ له القرآن في صدره فقد فتح عليه أبوابا عظيمة من أبواب العلم لا تخطر على البال ولا تدور بالخيال !
■ والمراجعة لا بدّ أن تكون بأجزاء حتى يثبت حفظه ، ويمر على القرآن في ليالٍ للمراجعة والتثبيت؛ لا سيما قيامه لِلَّيل به.
فإذا ختم القرآن يَحسُنُ به أن يراجعه كل ثلاث أو كل سبع حتى يضبطه ضبطاً متقنا.
وكان شيخنا الشيخ ابن باز -رحمه الله- يقرأ كل أسبوع ختمة من الجمعة إلى الجمعة، وغيره يقرأه في أقل من ذاك مع كثرة أشغالهم !
وهذا من بركة القرآن.
📝 *وختاماً أنبّه نفسي وإخواني جميعا -وأخواتي كذلك- إلى أعظم سبب من أسباب حصول هذا الكتاب العظيم المبارك في صدر العبد والأمة ألا وهو تقوى الله تبارك وتعالى،*
*فكثرة النسيان من أعظم أسبابها المخالفات والمعاصي،*
*فترك ذلك من أعظم أسباب الثبات على الحق وتثبيت الحق في صدرك.*
▪️ولمَّا سُئِل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن الدواء الذي يشربه للحفظ! -فقد اتُّهِم بأنه يشرب دواءً للحفظ! ؛ فربما كان يسمع الحديث في البصرة فيكتبه في مكة أو بغداد-
فقال: نعم لا أعلم دواء أدوى -أي أنفع في الداء- *من تقوى الله وكثرةِ الرَّدِّ.*
▪️فأشار إلى هذين السَّببين العظيمين: *تقوى الله وكثرة التَّكرار والمراجعة.*
شَكَوتُ إِلى وَكِيعٍ سوءَ حِفظي
فَأرشَدني إِلى تَركِ المَعاصي
وأخبرني بِأنَّ العلمَ نورٌ
ونورُ اللّهِ لا يُهدى لِعاصي!
■ فتقوى الله تعالى من أعظم أسباب تثبيت العلم في صدر العبد، وأعظم العلم كتاب الله تعالى، وأجَلُّ كتاب فيه الهدى والنور ، وهو الهادي إلى صراط الله المستقيم ؛ مع سُنَّةِ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم المُبيِّنةِ لِمَا فيه.
ومعنى ( كَثرةُ الرَّدِّ ) : أي كثرة التَّكرار.
*كل هذا مع تقوى اللّه عزّ وجل، فالذي يحفظ وينسى عليه أن يراجع هذين الأمرين العظيمين؛ فسيجد الخَلَل في أحدِهما أو فيهما معًا !*
وكما قيل إذا عُرِف السَّببُ بَطَل العَجَبُ ! فلا تتعجَّب مِن عَدَم مَقدرتِكَ على الحفظِ بعدَ ذلك” انتهى.
🖋️ 🎙️ مُفرَّغٌ من صوتية للشيخ / أبي إسحاق زهير بن عيسى المرزوقي الهلالي -حفظه اللّه وسدّده وثبَّته على الحق وجزاه الله عنا خير الجزاء ونفعنا بعلمه آمين-.